الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الإرهـــاب يمـرّ للسـرعـة القصـوى والرئاسـات الثـلاث في قفص الاتهام

نشر في  06 أوت 2014  (12:29)

مع الهجوم الإرهابي الأخير على الثكنة العسكرية بسبيطلة، بالإضافة الى حديث وزارتي الداخلية والدفاع عن احباط عمليّات تفجير كانت تستهدف مقرّات أمنية و سيادية في أكثر من مدينة، دخلت التنظيمات الإرهابية في مواجهة مفتوحة مع الدولة التونسية. واللافت في الأمر أن العمليات العسكرية والأمنية المحتشمة لدكّ حصون الإرهاب فسحت المجال أمام المتربصين بالدولة للتوغل اكثر في خططهم الهجومية.
لم يعد الارهاب على الابواب، بل استفحل ليهدّد اركان الدولة، خاصة وان العمليات الارهابية الاخيرة قد كشفت عن استعمال معدّات حربيّة متطوّرة تعدّت المتفجّرات التقليدية المتكونة من مادة الفوسفاط والديناميت والبندقيات. ففضلا عن التوسل بسيارات رباعية الدفع في احداث سبيطلة الاخيرة، كان سلاح «الار بي جي» حاضرا في مجزرة هنشير التلة التي استشهد فيها 15 جنديا يوم 24 جويلية 2014.
الارهاب يتطوّر ويتنامى ويتغوّل ليمرّ الى السرعة القصوى مستفيدا مما يجري على التخوم الجنوبية لتونس من معارك ضارية في ليبيا. و نحن كدولة و شعب و مجتمع سياسي و مدني ماذا اعددنا لمحاربته؟
لا يزال تاريخ 18 ماي 2011 موعدا فارقا في محاربة الارهاب بتونس ما بعد الثورة. قبل انتخابات المجلس التاسيسي بأشهر معدودة، صحا التونسيون على عملية مسلّحة بمعتمدية الروحية من مدينة سليانة راح ضحيتها العقيد الطاهر العياري والرقيب وليد الحاجي. المفترض ان هذه العملية الارهابية قد وضعت على طاولة الماسكين بزمام الحكم ورقة الارهاب المطل برأسه من جديد بعد احداث سليمان في 2006.

خطأ التسامح مع الفكر التكفيري

صحيح ان الفترة التي عقبت ثورة تونس قد عرفت انفلاتا امنيا و حراكا اجتماعيا و فراغا مؤسساتيا، الا أنّ وصول حكومة منتخبة الى سدة الحكم كان يفترض ان يولي الارهاب اولية قصوى ، في حين «غابت كفاءة الحكام الجدد وطغى جهلهم بالشأن الامني بالإضافة الى التراخي الواضح قد بدا جليا في التعاطي الامني» وفق ما ذكرته بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية في تصريح لاخبار الجمهورية. بل ذهبت محدثتنا في تفسيرها الى تحميل المجتمع التونسي مسؤولية تسامحه مع بعض الايديولوجيات المتشددة التي كانت بصدد التمكن والتغلغل شيئا فشيئا في المجتمع و في ثنايا الادارة.
في تلك الفترة بالذات عرفت المساجد التونسية سيطرة وجوه متشددة ما انفكت تبثّ خطابات تكفيرية ورافضة للديمقراطية طورا ومتغزلة بزعيم القاعدة اسامة بن لادن. بينما تصدر تيار انصار الشريعة المشهد في الشارع غازيا بعض الاسواق الاسبوعية و الحلقات الدعوية بالاحياء الشعبية إلى درجة أن تحول تيار انصار الشريعة المسيطر عليه من عدد من المفرج عنهم في اطار العفو التشريعي العام بالرغم من تورطهم في حمل السلاح في وجه الدولة في احداث سليمان الارهابية الى بديل عن الدولة. اعضاؤه استحالوا ضباط امن ينظمون الدوريات الليلية و يحكمون بين الناس و يعيدون المسروق لاصحابه. ثم انتقل التنظيم الى حارس للاخلاق يغلق الخمارات في سيدي بوزيد ودور الدعارة في سوسة.. اما بعض المظاهرات التي ما فتئت تجوب شوارع بعض المدن التونسية كلما تم القاء القبض  على عنصر متشدد، فقد كانت ترفع شعارات من قبيل «اوباما، اوباما كلنا اسامة» في اشارة الى اسامة بن لادن او «خيبر، خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود.» مؤكدين ان الحرب على اليهود تبدأ بالتخلص من الانظمة العربية «العميلة لهم».

المبشرون بثقافة جديدة

وازاء تغول التكفيريين كان المجتمع التونسي يراقب الوضع بين مصدّق ومكذب لمجريات الاحداث المتسارعة، يستفيق التونسيون مرة اخرى على مواجهات مباشرة بين الجيش الوطني و مجموعة ارهابية في 2 فيفري 2012 ببئر علي بن خليفة. ولكن مع تغير طفيف في الاداء الحكومي انذاك. انتدابات بالوظيفة العمومية حسب الولاء الحزبي و الايديولوجي، حديث عن «ابناء يبشرون بثقافة جديدة» وإعتبار الجيش والأمن والأعلام غير «مضمونين». الاخلال سياسي قبل ان يكون تشريعي او حتى في النقص في العتاد» كما يوضح استاذ القانون الدستوري قيس سعيد الذي يقول ان : المواطن يسأل و يتساءل عن الغموض الذي يكتنف بعض المعطيات عن العمليات الارهابية ولكنه يزداد حيرة وتيها او لا يتلقى اجابات اصلا.  بل يؤكد سعيد ان الخطاب الواضح و تحمل المسؤولية بكل وضوح هو الطريق الاسلم للسيطرة على الاوضاع المنفلتة، مع تشديده على ان وضع قانون جديد للارهاب لن يضع حدّا لظاهرة الارهاب مادامت هذه القضية محل تنازع حزبي وتوظيف سياسوي انتخابي.
فرضية اختراق بعض الوزارات التونسية او تقصير بعض القادة تبقى واردة في ظل النجاح الساحق لتنظيمات الارهابية في النيل من القوات الامنية او العسكرية دون ان يتم الاطاحة بالعناصر المنفذة. والاكيد ان تصريحات النقابي الامني الصحبي الجويني تعليقا على مجزرة الثامن عشر من رمضان والتي راح ضحيتها 15 جنديا من قوات الجيش تصب في هذا المنحى.  تنضاف اليها الوثيقة الاستخباراتية التي نبهت من اغتيال السياسي محمد البراهمي دون ان تحرك وزارة الداخلية ساكنا. كل ذلك في ظل غياب رؤية استراتيجية واضحة لمحاربة الارهاب. في هذا السياق يقول استاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن عبد اللطيف الحناشي : «الاكيد ان عدم وضع خطة استراتيجية كاملة تعتمد على دراسة الواقع وتستشرف المستقبل وتعتمد على التنسيق بين مختلف الوزارت ( الدفاع والداخلية والفلاحة والاتصال), كل هذه النقائص كبدت البلاد خسائر بشرية ثمينة.» ويضيف الاستاذ الحناشي: ثم ان حل الاستخبارات الامنية وتذبذب المخابرات العسكرية مع الامكانيات العسكرية المتواضعة كلها كانت نقاط ضعف واضحة للعيان لم يتم الاشتغال على تلافيها لقطع دابر الارهاب».
وفي السياق ذاته يتحدث البعض عن عدم استثمار الماسكين بزمام الاوضاع الامنية للتدفق المعلوماتي القادم من اجهزة الاستخبارات الاجنبية (الجزائر والولايات المتحدة على وجه الخصوص). في هذا الشأن يشير حاتم اليحياوي رئيس المرصد الوطني لمقاومة الارهاب والجريمة المنظمة الى ان المعلومات الاستخباراتية لا تزال تصل الى تونس دون ان يتم تمريرها الى الميدانيين بالسرعة المطلوبة، مبينا ان اجهزة وحدات الامن قد تمكنت في الاونة الاخيرة من احباط العديد من الجرائم الإرهابية بفضل عدم تقيد الامنيين بانتظار التعليمات والاوامر من الوزارة على عكس وحدات الجيش التي لا تتحرك الا بقرار مركزي.

القضاء في دائرة الاتهام

وامام الاداء الامني السريع والناجح في اعتقال بعض المتهمين في اعمال ارهابية، يطرح العديد من المعلقين مسألة التعاطي القضائي مع المتهمين، خاصة وان العشرات من المشتبه في تورطهم في دماء ابناء المؤسستين العسكرية والامنية يتم اطلاق سراحهم بعد ايام فقط من القاء القبض عليهم. في هذا الصدد يقول النقابي الامني الحبيب الراشدي: «صحيح ان الأمن ما انفك يقوم بدوره و بوسائله المتاحة في مجابهة و ملاحقة الارهابيين، غير أن القضاء في عديد المرات يطلق سراحهم، خاصة وأن المجلس التأسيسي لم يضع قانونا لمكافحة الارهاب يعوض قانون 2003 الذي تشقه عديد الثغرات القانونية». بل حمّل الراشدي المجلس التأسيسي و خاصة نواب للترويكا مسؤولية عرقلة سن قانون جديد لمكافحة الارهاب. كما يتهم الراشدي بعض المحامين المنتسبين للترويكا بالعمل على الدفاع عن الارهابيين.
اما العميد المتقاعد مختار بن نصر فقد عبر عن ثقته في مصداقية القضاء و الأمن التونسي، مبينا ان المشتبه بهم و الذين يتم الافراج عنهم يظلون تحت مراقبة يومية و مكثّفة. كما أشار بن نصر الى أنّ الأطراف التي اتهمت القضاء بالتقصير في ملف الارهاب قد بنت اتهاماتها على تأويلات غير موضوعية في حين أن القضاء يقوم بجمع ملفات عن المتهمين بقضايا الارهاب بالتنسيق مع الأمن. وأضاف مختار بن نصر أن العديد من وسائل الاعلام قد روجت لفهم خاطئ عن حيثيات القضايا المتعلقة بالارهاب مما أربك القضاة في تناول ملفات الأشخاص المتهمين بالارهاب في حين أنه من الواجب التريث في مثل هذه المرحلة الحساسة و الانتقالية التي تمر بها البلاد و ذلك لترسيخ قضاء عادل لا يتدخل في مهامه أي طرف كان على حد قوله.

الرئاسات الثلاثة والأذان الصّماء

الرئاسات الثلاثة متهمة بدورها بصم اذانها على بعض المقترحات المقدمة من المجتمع المدني للمساهم في دحر الارهاب. رئيس المرصد الوطني لمقاومة الارهاب والجريمة المنظمة حاتم اليحياوي يؤكد من جهته لاخبار الجمهورية ان شبكة الجمعيات التي تنتمي للمرصد قد تقدمت بجملة من المقترحات الى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة و رئيس المجلس  التاسيسي لتطوير العمل الاستخباراتي و تشريك المواطن في محاربة المجموعات الارهابية و التنسيق بين مختلف اجهزة الدولة. لكن هذه المقترحات ظلّت حبيسة الرفوف وفق كلامه. في هذا الصدد تحدث اليحياوي عن مقترح «الوعد بالجائرة»  الذي يتمثل في تخصيص جوائز مالية قيمة لحث المواطن على مد الاجهزة الامنية والعسكرية باية معطيات قد تكشف عن تحرك الارهابيين. بالاضافة الى مقترح اخر عن تكوين هيكل مستقل تعنى له مهمة جمع المعلومات و توزيعها على الاجهزة الامنية والعسكرية مع تمكينها من قيادة مستقلة. في السياق ذاته تحدثت رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكريةبدرة قعلول عن تقدم عدد من هيئات المجتمع المدني بمبادرات الى حكام تونس، متهمة في الان ذاته الماسكين بالحكم بالتفرد بالراي و رمي جملة المبادرات في سلة المهملات.
تونس اليوم تعيش على فوهة بركان ارهاب عابر للقارات و مكتسح للانظمة، مما يتطلب التفاف مختلف مكونات المجتمع السياسي والمدني للتجند وفق خندق واحد قبل ان تنفذ التنظيمات الارهابية اجنداتها حينها لن ينفع الندم.

محمد الجلالي
ونضال الصيد